الجمعة، 12 نوفمبر 2010

آمـــــــــــين !.

هناك صوتٌ يتهادى إلينا في مجلسنا , نظر احدنا إلى الساعة وجدها قبل الرابعة فجراً بقليل . قال آخر أذٍنْ أذٍنْ , رديت أنا : الله أكبر
و أكملنا ضحكنا !.

تحت الشجرةِ استقرينا , رذاذ المطر خفيف لدرجةٍ أننا كنا نحسبه نثار من ريقنا المرتطم بوجوه بعضنا . ليالي العربدة ليس لها مثيل
و الصوت الآتي لا يدل على قيام الساعة و لكنه فقط ينبأ باقترابها تماماً كتحذير رحلات الطائرات . اشعل احدنا آخر سجارة ـ صاروخ ـ قبل أن يأزف الوقت و تطلعُ الشمس تنذر بفضحنا .

قلت لصديقي مع أول نفس دون ما سبب واضح غير النشوة : و الله إنًا لكافرون !؟
قال باستغراب أيضاً دون ما سبب واضح : الإيمان لا يُقاس بطول العُمر !.
و أكمل بصوت شجي ينذر بنوبة بكاء خاطفة :
نحن في سن الشباب و مع هذا مؤمنون و تجد غيرنا من تعدى الخمسين و لكنه يجري خلف شهوة عابرة أو دائمة . أما نحن فالحمد لله
تخلصنا من عقدة الشهوات و اتًخذنا من مجلسنا تحت الشجرة قبلة تهوي إليها أفئدتنا , قل هم الكافرون . فصدق الآخر على قوله : الحمد لله !.
دامت لحظة صمت كأنما تأكيد لمعتقدنا , و مداعبت الدخان متعه لا يضاهيها متعه في مثل حالنا . قال :
إبليس مؤمن رغم غضب الله عليه , و نحن من المغضوب عليهم و لكن مؤمنون !. صدقنا الإعتقاد مرتاً أخرى و قلنا جميعاً :
الحمد لله !.

ضحكنا على ما قلنا و شملنا شعور غريب من هذا التسليم بالإثم . و الأعين الحُمر تتطلع إلى الغيب بدافع الرغبة لا الشهوة , إن كنا راغبين بالإثم فهذه حالة مؤقتة أما رغبة الإثم فتلك حالة تستوجب علاج !. و ما ننتظره هو طلوع الشمس . لتخبرنا قصة شُبًان ما أنصفهم الدهر . عندما تحلٌ بنا بركةِ النشوة يملأنا اليقين فلا نسأل عن شيء .

تلا ذلك نوبة ضحك كالعويل , آمنا حينها أن بركة النشوة حلًت بنا , قلنا لبعضنا دعونا تغسل أفئدتنا بالرذاذ . قال صوت منا : و أعيننا ماذا نفعل بلونها الأحمر  ؟
ـ نبحث لها عن معجون يجعلها ناصعة البياض .

ارتجت خلايا الشجرة من ضحكنا . والقمر يطالعنا بعين حاسد متجهم , أكل الليل نصفه و نصفه الآخر غطته غيمةِ . ازداد تطلعنا للغيب
و خيٍل لنا أننا نراه كما يرانا . و شملنا صمت مطبق , حتى الفجر صمت , و من خلال الدخان رأينا أطياف مستقبل . أولاد و مدارس و مشاكل زوجية . أطبق الصمت أكثر . تحديات لا تبقي ولا تذر و صراع دائر في الفضاء بين الكواكب و نقاش محتدم بين الأرض و المريخ و مناوشات بين عضو و وزير و استجواب أخذ أكثر مما أعطى , و تلويح بالحل و تلويح آخر بتغيير الدستور . دَستور ياسيادي !.
أما الشمس فأخذت منصب قاضي القضاة كلما شطً طرف نزلت عليه بحمم من نور . الصمت يطبق أكثر فأكثر !.
قلت لأحد صديقيً : متى تأتي النهاية ؟
قال : أما تسمع غناء الخنافس و هسهسة الشجرة , و هذه الحدأة التي تسعى أمامنا , أما تسمع صوت زفيرها . كلٌ الكائنات عرفت كيف تتطلع إلى الغيب . و الآن فقط حلًت بنا البركة . و أنت تسأل عن النهاية !.
حينما يحصلُ القلب على ضالته يصبح خارج أسوار الزمان و المكان . نحن الآن أصبحنا خارج حسابات الدنيا , و قلوبنا غسلها الرذاذ .
و اجتاحتنا رغبة عارمة بالغناء . الغناء للكون ليسمع انتصارنا الساحق . لم نحسب لجلال الفجر حساب , بعد قليل يأتي ليشهد على انتصارنا و الضياء القادم من الأفق أكيد انه سيغني معنا . وقفنا و أنشدنا بصوت واحد :



كلما رأيتك تزداد رغبتي . . . و لكما ازدادت رغبتي ازداد اعتقادي .



غنت معنا الخنافس و ربطة الحدأة خصرها و شرعت بالرقص . وقع المشهد في أنفسنا موقع الإيمان . فارتفعنا عن الوجود .
و آمنا أن ليس للكون سر لنكشفه , فتجمعت حولنا الحيوانات من كل مكان . حتى الطيور طافت حول الشجرة بطرب , ناظرتنا العين بتعجب كأنها لا تعلم أننا نتطلع ولا نجد غير الشعور يشبعنا . في غياب العقل يأتي دور الشعور ليشبع ضعفنا !. اقتربت الساعة و بعد قليل ينفض جمع الأصدقاء . قلنا بعد الغناء و الطرب يتجلى الإيمان و ساعة الفجر لا تعوض فيها يستوجب الدعاء .
قال صديقي الأول : أدامها الله من ساعات .
و قال الآخر : للشعور سطوة بها تتحقق النشوة . أدامها الله .
و قلت أنا : ليختفي العقل في غياهب الزمن . أدام الله غيابه .....
 تلى أحدنا بصوت خاشع مع سيل النور  : غير المغضوب عليهم ولا الظالين
فأتممنا بصوت كالتنهيد : آمين .

ليست هناك تعليقات: