حلم ...
دعتني الجميلة . سحبتني بخيوط حسنها الوهمية فتبعتها على الأثر ,
ملأتني رغبة جامحة بنسيان الماضي و الحاضر .
و أن أتشبع بالتطلع ....
و قابلني شيخي الحكيم فذكرني
أن هناك عملٌ عليً انجازه و لكنني شتمت الحكيم و أقواله
و أنساني التطلع للمجهول ما بين يدي فغصتُ في ظلام مدلهم ...
لكن الأقدمين قالوا أن خلف كل ظلام ... نور
سرت حتى وصلت لبيت الجميلة
و هفهف من النوافذ المفتحة ذات الستائر المسدلة شذا بخور .
طرقت الباب فتبدى وجه قبيح , كسا السواد محجريه
و تدلت الأجفان كجلد العجوز الشمطاء .
صحت بجزع : أين الجميلة ؟
قالت :
أنا هي ... لكن الجمال لا يبصره ذوو القلوب المهملة .
حلم ...
في الليلة التالية ....
رأيتني في المقهى العتيق ضمن حلقة الأصدقاء ننتظر قدوم الحكيم .
أعددتُ نفسي لمقالةٍ بالغة و جمعت ما تيسر من الأعذار ,
و بعد قليل جاء الحكيم يحمل بين يديه طفل رضيع .
تخطى نظراتنا المتوهجة و حينما استقر في مكانه
قال : الخطيئة كالطفل مع السنين تكبر !.
أدركت حينها أنه يقصدني ,
ثم تبدى وجه الطفل فرأيته ذو شارب عميق السواد
و أخذتني رعشة خوف ..
عندها صاح أحد الأصدقاء : هنيئاً لمن أدرك الهدف !.
و تقدم مني الحكيم و همس في أذني همساتأول لقاء المنيرة ,
فشعرت أنني أراه بعين جديدة ,
ثم أعطاني الطفل و أقفا الخطى خارجاً ..
ابتسم لي عن وجهٍ نضير جميل الملامح
رغم غرابة المنظر .
قلت لنفسي عندها :
ليس هناك أجمل من لذة الخطيئة إلا لذة ألاستغفار ..
حلم ...
رأيتني في حجرة مذهبه بها طاولة مستقره في منتصفها ,
وضع عليها كأسين مترعين بشراب لونه كالفجر .
و خالجني شعور أنني المدعو ,
وأن في الوقت متسع للقاء الرجل صاحب الدعوة .
فجلست على الكرسي و ما إن وضعت يدي على الكأس
حتى قدم رجلٌ مهيب الطلعة عريض الصدر ,
بدا مألوف الوجه رغم أنني أراه لأول مره ,
جلس قبالتي ثم قال : أشرب بسم الله .
فشربت الكأس حتى الثمالة و ما إن استقر المشروب في أعماقي
حتى سرت رعشة هزت أركان قلبي
و رأيت الرجل ينظر إلي بوجه عابس كأنه تبدل بآخر ,
و قال جاداً : ستأتي ساعة الفراق فلا تحزن !.
قلت : والله ما شربت كأساً ألذ من هذا في حياتي .
في الأثناء دخلت امرأة لم أشهد لجمالها مثيل ,
كان يند عنها همس كالعبير الخفي و
وقفت بجانب الرجل فأشار إليها
وقال هدية لصاحب الحظ السعيد ..
دعوت من أعماق قلبي المبلل بالهمس أن يكون أنا .
قال كأنه سمع همس قلبي : عليك أن تعرف السبب ؟
قلت : أخبرني عن الهدف من فضلك و إحسانك ...
حلم ...
رأيتني في أرض فضاء لا يحدها إلا الأفق .
و كنت أجلس على التراب و في يدي عود خشب
أرسم به دوائر متداخلة على الرمال .
فجأة ظهرت أمامي امرأة ترتدي عباءة
ذات لون خمري و ياقة مفصولة بلون الياقوت ,
ملئني الإعجاب و التعجب .
أشارة بيدها البضة إلى ما أرسم ,
قالت : جميلة هذه الأفاعي !.
قلت موضحاً : أنها مدارات العالم الآخر .
ثم وقفت قبالتها و دعتني الأشواق المكتومة لإطلاقها .
في العمر لحظة قاتمة تنيرها امرأة لا تقول كفى .....
و لكنها أوقفتني و أخرجت من تحت عباءتها
صورة لوجه طفلة جميلة التقاسيم ,
قالت : هل رأيت هذه الطفلة ؟
فأشرتُ لها ناحية مغيب الشمس
و قلت : أنظري إنها هناك ... تلعب مع الخنافس !.
ولكنها أعادة الصورة لموضعها و ذهبت بالاتجاه الآخر .
فقلت منادياً : طوبى لمن عرف طريقه في الصحراء .
حلم ...
في مكان مشابه لذلك الذي لا يتكرر إلا مره واحده بالعمر كله ,
سألت نفسي أين هو و كيف ذهب
حتى تلاشت آثاره من أخيلة الحالمين ,
و تقطعت أواصر القرب و تبددت الذكريات و غاصت في بحر العدم .
حينما تكون السيدة في الأربعين و الفتى في العشرين .
حينما تمنحه من الحياة الدفء و الحنان ,
و يمنحها هو الشباب و التهور ,
عندها فقط يعلم أنه شاب قبل وقته
و يملكها الندم حتى تصبح من الأموات ,
فتتجمع حولها لحظات لأثرٍ باقٍ من زوج سعيد
لا تلبث أن تختفي ,
أما هو فيتسول النسيان .
ثم أراني قبالة الطيف المثخن بمآسي عمر مجهول التفاصيل ,
و أسأله مما تهرب ؟فلا يجيب ....
و أقول إلى أين تمضي ؟ فلا يجيب ....
عندها تتحرك صفحة عمري الماضية
مصحوبة بضربات طار و دق طبول بحرية ,
و أنضم إلى الجمع الحاملين السيوف المرصوصة تجاه السماء
و أعزي نفسي بالغناء و أنشد مع المنشدين :
خاطري طاب من ذاك الفريج .... وصدً قلبي و أنا تابع هواه
حلم ...
و اقتربت مني الطفلة ذات التقاسيم الجميلة ,
و جعلت يديها تتحرك مع الرياح دونما معنى أستطيع فهمه ,
ثم أخذتها البراءة لحد اعتقدت وقتها أنها لا تراني
أو أنها تعرفني مما يجنبها الحياء و بعد قليل أنشدت :
يلا ينام يلا ينام ... نذبحله طير الحمام
ابتسمت و ندًت عن الرياح زفرة حنين
أخذتني إلى حنان أمٍ و سرير أزرق ,
و تمليت منظرها طويلاً و هي تغني
حتى شعرت أنني أنظر إليها ببلاهة ,
و من بعيد رأيت المرأة ذات العباءة
تحمل معها ثلاث حقائب كبيرة ,
و ما إن اقتربت منًا حتى رمت الحقائب
و انتشر بالجو دخان رملي من فعل الاصتدام .
توقفت الطفلة عن الغناء و الرقص
و نظرت للقادمة الثقيلة بعين أنثى لا تعرف الخوف ,
ثم قالت السيدة : احملها و أتبعني ...
كأني مسحورٌ أو مغيب بدأت برفع الحقائب عن الأرض دون جدوى ,
وكلت عضلاتي من حملها
فجاءتني الطفلة وقالت : أنظر ؟
فانحسر قبسٌ من ضوء نجمةٌ تفردت بقبتي .
و وقفت مأخوذاً بين الحاضر و الماضي ,
أيهما أتبع و أين يكون خلاصي .
ثم قامت الطفلة بحمل الحقائب واحده تلو الأخرى
كأنهم مجموعة دمى و تبعت المرأة ,
أما أنا فجمدت في مكاني أنتظر الصحوة بأمل خافت ....
:
.
زمان عن الأحلام...
ضننت أني قد نسيتها ..و ربما أنتم كذلك
\
و أعتذر عن الإنقطاع عن مدوناتكم العزيزه في الآونه الأخير
لكم أخلص الدعوات ...