الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

شروق و غروب


انه أول يوم للمدرسة . لا أريد الذهاب . أخلق أعذار , أشكوا ألماً بمعدتي ,
كل الأعذار تذهب هباءاً من الخوف من تلك الإبتسامة على محايا أمي .
صحيح أني سعيد بالذهاب للمدرسة ولكنها سعادة ليست كاملة ,
يريدون إخراجي من مملكتي الصغيرة و الزًج بي في دنيا لا أعرفها ,
لما خلقوا لنا ما أسموها " مدرسة " ألا يستطيع الشخص التعلم ذاتياً .
قمت , نهضت . و ارتديت هذه الملابس الجديدة بنطلون كحلي وقميص أبيض
هذه العادة والتقليد في بلدي . فرحت لهما كثيراً فما كنت أستطيع لبس شيء جديد
إلا بالمناسبات والمدرسة إحدى تلك المناسبات , أشعر بالغبطة داخلياً
**
تأبطت ذراع والدي وبين خطوةٌ و أخرى أنظر خلفي , فأرى أمي تودعني بإبتسامات الفرح و الأمل . أبي بدأ بإفلات كفي الصغير شيئاً فشيئاً حتى صرتُ أمشي بجانبه
ولأن خطوتي صغيرة كان يسبقني فكنت أركض أحياناً للًحاق به .
و في لحظة نظرت للخلف فما وجدتُ أمي !.
الشارع . عصافيرٌ جميلة صداحه تملأه وتغني لي نشيد الأمل , أزهار على جانيي الطريق
أشتم ريحها , فواحة الشذى , عبقه بطيب ألوانها الزاهية , وهناك أولاد يلعبون
في نفسي أحسدهم و أقول لها ولى زمن اللعب في الشارع , ما أسعدهم .
وبنات يبتسمون لا خوف من معاكسه بين ولد وبنت كلهم أولاد ويلعبون سوياً .
كل شيء كان جميلاً .
أمام المدرسة وقفنا وقال أبي هنا ستتعلم معنى الحياة فكن رجلاً .
قلت ستأتي لأخذي بعد المدرسة , فقال بالتأكيد ....
دخلت وحدي لعالمي الآخر . أطفال في مثل عمري ومنهم الأكبر , كلهم توحدوا بنفس اللباس
ومن خلف الصفوف المشرئبة بقصر القامة نادى صوتٌ جهوري ,
اصطفوا يا رجال الغد بدأ طابور الصباح , صفونا صفوفاً متراصة فأكمل الصوت
وقد ظهر جسمه البدين وكرشته التي تسبقه خطوات , هنا ستتعلمون معنى أن تكونوا رجالاً فأنتم المستقبل , هنا ستصنعون لنا أمتاً نفخر بها .
تعلمنا و اجتهدنا . فكان يومٌ من أجمل الأيام ولكن لكل شيء نهاية .
انتهى اليوم وخرجنا كلٌ ينتظر أباه وأنا أنتظر .. لم يأتي أبي , بدأ الأولاد بالرحيل
واحداً بأثر واحد , بقيت وحدي أنتظر , وبعد طويلٍ من الانتظار قررت الرجوع للبيت وحدي .
آه وعدني ولم يأتي ... أحياناً وعودنا لا تقبل التطبيق .
حثيت الخُطى لبيتٍ ضمني بسالف الزمان . هناك شيء تغير ,
أين العصافير الصداحة ؟ أين الزهور الفواحة ؟ ما كُل هذه السيارات ومن أين أتت ؟
متى أنشئوا هذه المباني الضخمة ! ما كل هذا الازدحام الخانق ؟
هل هذه الطريق التي أتيت منها بالصباح ! نعم .
أسير متفكراً فيقابلني رجلٌ خُيٍل لي أني أعرفه , ولكني بالحقيقة لا أعرفه , وما إن اقترب مني حتى ابتسم وسلم علي وقال أهلا عادل كيف حالك وحال الأولاد فقلت كلهم بخير
وأنت كيف حالك؟ فقال بخير ولله الدوام .
هواجس تأخذني لحدود الكون متى تزوجت وأنجبت !. لا يهم ..
أكملت طريقي فكانت السيارات تزداد عدداً بكل خطوة .
وهناك عند مفترق الطرق وقفت مذهولاً . كان يجب أن أعبر الشارع للوصول للجهة الأخرى
جهة بيتي , ولكن كيف أعبر ؟ وهذه السيول من السيارات التي لا تدع مجال للعبور
نظرت إلى جانب الطريق فرأيتُ أولاداً يلعبون بالسكاكين . رحماك ربي !
وهناك آخرون يتربصون لولدٍ ماذا يريدون منه ؟ والسيارات في تزايد مستمر حتى اختنق
الشارع فيهم و كان هناك أيضاً سيارة إسعاف تشق طريقها بين الصفوف لنقل مصابين
وسيارة مطافي تبحث عن حريقها ..
فقلت فلتهنأ النار فيما تأكل .
وفي أثناء حيرتي بين العبور والانتظار وقف بجانبي طفل يرتدي بنطلون كحلي وقميص أبيض
تبدوا عليه صفات الشهامة وقال :
جدي هل تريد أن أوصلك إلى بيتك .

هناك تعليقان (2):

~حَدِيـثُ الفَـجْـر~ يقول...

مؤلمه :"(

كلما كبرنا تغيرت نظرتنا للحياه
كم كانت الطفوله اجمل بكثير من الان

امر غريب حبن تسال من هو على فراش الموت ويلفظ انفاسه الاخيره :" كيف كانت حياتك ؟! "
يردف قائلا " قصيره "

عجبا اين القصر في 80 او 90 عاما ان كنت محظوظ ؟!!

ان نحيا بهذه الحياه و هذا العصر امر ليس بالسهل ابدا ..

اكرر مؤلمه

كن بخير
^_^

منصور الفرج يقول...

ماذا تقولين بمن يعيش 1000 سنه و يقول ان حياته قصيرة

أهلاً بكِ يا غائبه .

كونى بخير