الأحد، 7 نوفمبر 2010

مجنون منطقتنا !.

 كنت ألقاه في طريقي للمدرسة ذهاباً و إيًاباً . كم عجبت لذلك الرجل , حسب خبرتي بالأعمار قلت رجل لأنه عريض المنكبين طويل , أطول مني و من جميع أصدقائي . و العجب أنني لا أراه بالمدرسة , إذاً هو رجل بكل معنى الكلمة . و لكن لما لُعابه دائماً يسيل !؟
فكرتُ أول ما فكرت أن الرجال أحياناً لا يسيطرون على تصرفاتهم تماماً مثل أبي عند الغضب لا يتحكم بنفسه !. و أقول قد يكون الرجل ممن لا يتحكمون بلُعابهم عند الكلام . و لكن اللُعاب دائماً يسيل !. جذبني إليه أكثر حينما عرفت أن بيتهم بالشارع المقابل لبيتنا و أخيه يدرس معنا بنفس المدرسة , جذبتني المعرفة أكثر بسر هذا التسليم للأمر الواقع .

اسمه داوود , عمره 27 سنة . ذلك أول قطرة من المعلومات التي حصلت عليها . ليس صعب الحصول عليها كلٌ ما يحتاجه الأمر دعوة للعب الكرة بالشارع موجهه لأخيه فتأتي المعلومات مع أول ركلة . و لكن السر هو لما لُعابه دائماً يسيل !. كان الجواب على تساؤلي بمنتهى الوضوح و العفوية قال أخيه ببرود : انه مجنون !.
تطلعنا للوجه الغريب كأنه سحابةِ توشك أن تقذف مافي جوفها . ماذا تعني بمجنون ؟ بباسطة مجنون أي لا يتحكم بكل تصرفاته .
ما أغباني حين تخيًلت أن المجنون هو من يحب كمجنون ليلى . و أن المجانين ليسوا موجودين إلا بالأفلام السينمائية .
ما أشبعتني يا أخيه . لا أعرف من أين جاءت تلك الرغبة الملحه بالتعرف عليه شخصياً . رغبة لم أستطع دفعها حتى بذلك الشعور بالقرف عندما أراه . أليست الرغبة هي من تسيطر علينا اكثر من المبيحات .

كنت ألقاه في طريقي للمدرسة ذهاباً فأقترب منه و أبادره بإبتسامة خفيفه و أقول له أن المدرسة متعبه و الواجبات كثيره
و كان يقول بملأ فمه : أخرطي !.

ـ المدرسين مملين ؟
ـ أخرطي !.
ـ الصباح جميل ؟
ـ أخرطي !.
ـ الحياة حلوة ؟
ـ أخرطي !.

فلا أمسك نفسي من الضحك , و أمضي في طريقي . عند باب المدرسة أسمع حارس المدرسة يقول بصوت جهوري : الله يلعن أبو الدنيا .
و عند أول عتبة أسمع مدرس يقول لطالب : يومك أسود . و أقول لنفسي همساً : أخرطي !.
يمضي يومي متفكراً لا أعي كلمة من الشرح , الدرس ممل أكثر من دعاية سوق البرازيلية . و المدرس ممل أكثر من بانتا و أمه برسوم جريندايزر . ما هذه الحكمة التي صبًت بأذني من مجنون . ما هذا الشبه بيننا غير أن لُعابي لا يسيل . أصابتني سهام خفية بيًنت لي تفاهة ما انا فيه , فتحولت لوحة الشرح لمهبط مراكب فضائية و استحال الطلاب لملاحين معتوهين لا يكفون عن التأشير بجميع الجهات . أما أنا فاتًخذت من الدوك فليت مهرباً و استبدلت ‘ أنطلق ‘ بي ‘ أخرطي ‘ فمتى يجيء موعد الإقلاع !.
و استمسك بي وهم قاتل أننى سمعتُ المدرس قبل الانتهاء : أكتبوا موضوع تعبير عن أحد أصدقاءكم ؟

كنتُ قد جلست خلف المكتب الصغير و أمامي تتراقص كلمات أباحت لي هتكها بأريحيه مستحيلة . كيف ، لا أعلم ؟ متى , لا أعلم ؟
و بدأت بمراقصة أول كلمة حينما لقيته في طريقي من المدرسة إيًاباً قلت : أتذكرني ؟ قال : أخرطي

ـ ما الحياة ؟
ـ أخرطي !.
ـ ما الجنون ؟
ـ أخرطي !.
ـ ما اليقين ؟
ـ أخرطي !.

قررتُ أن أتبع الحكمةِ حيث منبعها . و أن أرقص متى ما شئت و أفتعل مع ذاتي مواجهه دامية دونما سبب , و أغني أمام جنازةٍ لا أعرفها ولا تعرفني , و متى ما أردت أتجرد من ملابسي !.

و أن أكتب الموضوع و اسميه ‘ حكيم المجانين ‘.

هناك تعليقان (2):

~حَدِيـثُ الفَـجْـر~ يقول...

ياااه كم يبدو الجنون اكثر رااحه
من الجنون ان تضل عاقل بزمن الجنون

نص مثير للضحك ..

و اليس في بعض الاحيان يكون المجنون محظوظ لانه لا يحاسب على مايفعل

و راقت لي "اخرطي " ... حمه فلسفيه جميله جدا
قد يبدو النص سطحي للوهله الاولى
الا انه يحمل في طياته
كثير من المعاني


بالنسبه للبوستات السابق
راائعه جدا

موفق

Fαiяч Tαlε ★ يقول...

كـ تَجربتي الشَخصية
فـ أنا اتلقى الحِكمة من الأطفال والمُصابون بالإعاقة العقلية .
والأغرب مِن ذلك هو ان نصيحتهم تكون دائماً ما تُفيدني حقاً = )

لانهم أصحاب العقلية البريئة لا يشوبها الحقد والكُره
فـ تراهم يتحدثون بكُل براءة وطُهر .

كم أحبهم ^_-"

,,

مُتابعة لما يخطُه قلمك يا أخي
وفقك الله وسدد خِطاك .