حلم . .
حادث بسيط لا يكلف أكثر من ابتسامة و اعتذار
ولكن الوضع اتًخذ منحنى خطير فبدأ التهديد و الوعيد
و تجمع أُناس كثر كلٌ بجانب من يعنيه , تشكل جيشان
فدار قتال و سالت دماء و تطايرت بقايا أجساد .
من موقعي رأيت الحادث و المعركة , فجاءني رجلان
كانا يقاتلان بشراسة , قال أحدهم : مع من أنت !؟
قلت ممتطياً سحب الجمود : أنا باحث !.
قالا بصوت واحد : البحث صفة الضعفاء
فوجدتني بأحد المستشفيات كأني دعيت لأقوم بعملةٍ ما
فحضًرتُ نفسي و لبستُ ثوب الإقدام !.
كان المريض يشبه أبي . . . إلهي هو أبي !.
تغير المكان و الزمان فأصبحت بالبيت في حضرة الهدوء
تربع أبي بوسط الصالة وقال : بتروا لي إصبع قدمي اللعنة
على الدكتور !.
قلت : هذا أحوج لوقف الغرغرينه !.
قبل الفجر بلحظات جاءني خاطر مع الشعاع الرطب
ما الذي يجب بتره حتى يتوقف نزيف المجتمع !؟
***
حلم . .
كنتُ حاضراً عند أحد الأصدقاء . لكن حينما حييت الجالسين على جانبي المجلس
و قبل أن أتخذ مكان بينهم أشار لي صديقي ففهمت أنه يدعوني للخارج .
قال لي : منعاً للإحراج مكانك بالمطبخ !.
ذهلت . توشوش فكري و نظرته إليً توحي بانتهاء النقاش .
ذهبت صاغراً إلى المطبخ حيث تقوم مواقد النار و الحلل النحاسية .
ما إن لمحني الطباخ حتى باغتني بمد شفتيه بامتعاض و أشار للأواني المتسخة .
شرعت بالتنظيف و الغسل على مضض مني , عين الصديق تلمع سخط و عين الطباخ تلمع امتعاض ,
و بلحظة تذكرت أعين الجالسين جميعهم لمعة أعينهم بشيء تخفيه الصدور .
مارست عملي بإتقان و حرفية عالية كأني ما خلقت إلا لأكون عامل نظافة !.
و كنتُ منهمكاً بعملي حينما وقف خلفي رجلٌ لم أتبين ملامحه
و أخذ ينقر رأسي بتتابع بطيء ثم أسرع فأسرع , لم أشأ ألالتفات خوفاً من مجهول لا أقوى غوره .
تعذر عليً الغوص و السير و لكن فكرة لمعة في رأسي لحظة تقلبي على الفراش:
( يكفي أن تتفوق على أشباهك الأربعين !. )
***
حلم . .
رأيتني في أرض المطار و أمسك بيدي علبةٍ شراب فارغة .
بعد أن سلمت على من كان حاضراً من الأهل و الأقارب ,
فتشت على سلة مهملات لأرمي بها هذه العلبة التي أخذت تثقل شيئاً فشيئاً ,
سرق الوقت ألانتظار و البحث .
و العلبة تزداد ثقلاً على ثقل حتى كلًت يدي من حملها فوضعتها عند أحد الأعمدة
و توجهت مسرعاً إلى حيث بوابة طائرتي .
و ما إن رآني الموظف حتى قال بعصبية : أنت !..... أجل أني أذكرك دائم التأخير .
و من النافذة رأيت طائراً ساكناً على جناح الطائرة ,
ثم بدأت الطائرة بالحركة ثم الإسراع فالتحليق
و الطائر لا يزال ساكناً على الجناح . تملكتني رغبة عارمة
بالخروج من الطائرة و أمساك الطائر
و بادرت المضيفة الفاتنة بالسؤال عن مخرج فأشارت لنهاية الطائرة
فتوجهت مصمماً على الخروج . قالت الفاتنة : لا تتأخر كعادتك !.
و عندما وصلت إلى الباب وجدته مفتوحاً فقفزت دونما تردد .
و مرً عليً أشخاص يهتفون و آخرون يرددون أغنية حماسية و أنا سابحٌ بالهواء .
ثم حام حولي الطائر فرأيت أجنحته متسخة بالوحل .
فوشوش في أذني صوت الحكيم , همس :
ظالم بني آدم , يحلم بالطيران و هو يرفل بالوحل !.
***
حلم . .
رأيتني متأبطاً ذراع أمي و نسير على طريق تصدح به
بلابل و تملأه شتلات الياسمين
و كنتُ أسمع بين الحين و الآخر نقيق ضفادع و نعيق بومه .
قالت الحنون مبتسمة : أتسمع غناء الياسمين .
نظرت إليها من أسفل فرأيت ثغرها لا يزال يوشي بمزيد من التحذير .
و عند تقاطع خرست الأصوات و غاصت في السكون المتفشي .
أوقفتني ثم أكملت الطريق و هي تنظر إلي و تشير بيديها مودعه .
ولكن صوتها لا يزال يتردد على مسامعي : أتسمع غناء الياسمين ,
فوجدتني في مكانٍ مكتظ بجموع من البشر
يجلسون أمام منصة مرتفعة مقداراً
لا يسمح للجالسين رأيت من يقف خلفها .
يحمل الشخص الواقف فوقنا دستة أوراق فنادى عليً بصوت جهور ,
تمهلت بالوقوف و انشغلت بلملمة أشيائي
ففاجأني قدوم رجلٌ من أقصى المكان يسير ثابتاً واثق ,
وقف أسفل المنصة فرمى له الواقف فوقنا بدستة الأوراق ,
اجتاحني شعور بالغيظ و السخط
و وددت أن أصرخ : حرامي ... منتحل !.
و لكني خرست و ثبت عيني عليه لغير ما سبب ,
و لغير ما سبب هاجت القاعة بجنون جماعي
فانقض الجمع على المنصة يشتمون و يلعنون ,
ثبت عيني عليه و تدافعني الجمع
حتى خشيت أن يفلت مني أو يخرج من مجال نظري
فزاحمت الجمع ,
من بعيد رأيته مولياً الجميع ظهره يسير في ثبات و ثقه ,
فازددت مزاحمة .
حتى أصبحتُ خلفه مباشرة فالتفت إليً مبتسماً
و وضع يده على قلبه !.
غشتني هالة نور نفذت إلى أعماق قلبي
فأنستني الجموع المتزاحمة و الصخب ,
و قررتُ عندها أن أنعم بحرية
تصدح بشدو البلابل و عبق الياسمين .
***
حلم . .
رآني بساحة العلم أضرب شخصاً مُوٍلٍيه ظهره . هرع إليً لفزعة صديق لصديقة .
أمسكني , أبعدني عن من أضربه , و حينما تبين وجه الرجل كان أنت !.
و لكن مهلاً ... لِم رآني و ليس رأيتني !؟.
أجل جلٌ ما أخافه أن يأتيني أحدهم و يقول لي : منصور شفتك بالحلم .
و أحاول ربط الحكاية بين اختفائي من أحلامي و ظهوري بأحلامهم .
ثم يتردد على مسامعي لحنٌ عذب عذوبة الفجر . و أقول لنفسي :
ربما ما رأوني حقاً و لكن شبٍه لهم .
***
حلم . .
رأيتني أقف أسفل عمارة سكنية مكونه من خمس طوابق .
قبل أن أسترسل بأفكاري جاءني الحارس شاهراً هراوته يضرب بها كفه ,
سألني عما أريد فقلت : هنا كانت تقيم الحاجة أم عبير .
ارتسمت على وجه الرجل نظرة غريبة لم أعرف تحليلها ,
ثم قال بتحدٍ : الجميع اليوم يسأل عنها !.
هي هكذا تخطف الألباب ثم تولي هاربة !. ازداد استغرابي
و انهالت عليً ذكريات الشارع القديم و تمسك بي وجه أم عبير
و هي تنادي قبل رحيلها : الغول ... جاء الغول !.
رماها معظم الناس بالجنون و القلة القليلة رأت فيها منذرة
لمجهول مخيف آتياً لا ريب فيه .
و الآن .... أجل الآن فقط أذكر يوم رحيلها حقيقة و ليس حلم
و أذكر أنها كانت تحلم بالذهاب حيث البحر الأزرق و الأرض الخضراء ,
و دعوت قبل إفاقتي أن يصدقها الناس هناك ....
أجل البحر الأزرق و الأرض الخضراء ..... مهد الحب و العناء !.
***
حلم . .
لكل امرئٍ ساعة يحن فيها إلى الخلاء !.
على نغمت الناي المتهادي إلى مسامعي مصحوباً بأمل خفي .
وجدتني في غابة غناء مترامية الأطراف .
تشبع فيها اللون الأخضر حد الثمالة ,
فعكس على سطحه نور الشمس الدافئة كرداء من سنا .
و أملي أن أحظى بساعة راحة بعيداً عن ضوضاء المدينة و صخبها ,
لاعبت الفراشات و سحرتني الأزهار بألوانها الناصعة و نضرتها الزاهية
, قلت لنفسي إن الذي خلق الجنان بالسماء
قادر على خلقها بالأرض . و إنها والله لجنة .
دلكت الشمس و ازداد صوت الناي اقتراباً ,
فأتتني خواطر متطايرة عن الأهل و الأبناء ,
و تملكني السحر حتى أضعتُ الطريق ,
سرتُ لا ألوي على شيء سوى أمل خفي بالخروج من جنة أعيش بها وحدي ...
ازداد الصوت ارتفاعاً ....
بعد مسير غير قصير رأيت الرجل مصدر الصوت
, كان مستقر تحت صفصافة يعزف لجلال الكون و الخلاء ...
اقتربت منه و في غايتي المكوث ,
قلت : ما أجدر أن يستمع الناس لألحانك ؟
فقال بجلال : أنهم مشغولون بالشجار و البكاء !.
و نظر إليً بترقرق من عينان لمع الدمع منهما و قال :
إنك تشبههم !.
قلت : هل تسمح لي أن أصحبك بعض الوقت ؟
قال باستهانة : لن تستطيع معي صبرا !.